top of page

الجرأة على فعل الشيء البسيط – ووضع حد لكذبة اليمين

بقلم: أبراهام بورغ

موقع والا، 16.5.2025


بين القدس ونيويورك، مروراً بباريس والرياض، يُنسج جسر سياسي جديد يعيد الأمل بحل حقيقي للصراع. المبادرة الفرنسية-السعودية تضع الدولة الفلسطينية كنقطة انطلاق – لا كهدف بعيد – وتشير إلى تغيير عميق في النهج الذي فشل سابقاً. العالم بدأ يدرك: لا يمكن تجاهل الواقع بعد الآن.


في القدس، اجتمع الأسبوع الماضي آلاف من دعاة السلام برسالة بسيطة: المعسكر لا يزال حياً، قائماً، وواثقاً أكثر من أي وقت مضى. في الشهر المقبل، ستُطلق مبادرة سلام فرنسية-سعودية جديدة ومبتكرة في نيويورك. العالم لم يتخلّ عنا بعد. وعلى الجسور الممتدة من القدس إلى باريس والرياض ونيويورك تسير بارقة أمل.


كشفت حرب أكتوبر 2023 عن كل عيوب هذا الصراع – وكذلك عن الفرص الكامنة فيه. رغم محاولات حكومات اليمين، لا يمكن طمس الوجود الفلسطيني. الجدران، الحواجز، الفصل، التحريض، والتعالي لم تفد الإسرائيليين. الشعب الفلسطيني هنا، لن يذهب إلى أي مكان، ويطالب بالحد الأدنى – حق تقرير المصير، كما كل شعب، على الأقل كما اليهود.


مجزرة أكتوبر ورد الفعل عليها كشفا حقيقة بسيطة وقاسية: محاولة إدارة الصراع بدلاً من حله هي فخ موت للطرفين. بعد سنوات من نجاح بنيامين نتنياهو، بدعم دولي، في دفع القضية الفلسطينية إلى الهامش – عادت الآن أقوى وأكثر تفجراً من أي وقت مضى. ربما لم تكن هذه نية حماس، لكنها النتيجة. والحل المفروض يقترب.


يجب تأطير الواقع بصدق. كل ما فعلته إسرائيل للفلسطينيين منذ تأسيسها وحتى أكتوبر الأخير لا يبرر جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس. وبالمقابل، لا يبرر أي فعل لحماس المجازر والدمار الذي ترتكبه إسرائيل منذ ذلك الحين في القطاع. هذان جريمتا حرب لا تلغيان بعضهما البعض، والمذنبون من كل طرف يجب أن يمثلوا أمام محكمة دولية.


في هذا الظلام، الحقيقة أوضح من أي وقت مضى: النهج التقليدي لحل الصراع فشل. من دون تغيير في النموذج، سننزف إلى الأبد. ومن هنا تأتي أهمية المبادرة الفرنسية-السعودية. إنها تعيد الواقع إلى الأرض، وتقلبه على قدميه.


طوال ثلاثة عقود، منذ اتفاقيات أوسلو، وُعد الفلسطينيون بدولة كجزرة افتراضية في نهاية الطريق. الجميع فهم الهمس الإسرائيلي: هذا لن يحدث أبداً، لذا تحول التفاوض إلى عملية لا نهائية وعقيمة. وكلما اقتربوا من الجزرة – ابتعدت أكثر. أصبحت مجرد أداة أخرى في صندوق أدوات الرفض الإسرائيلي.


الآن، تقترح فرنسا – بالشراكة النادرة مع السعودية – نهجاً جديداً: الاعتراف بالدولة الفلسطينية أولاً. ليس كمكافأة، ولا كنتيجة لعملية، بل كنقطة انطلاق ملزمة. وقد تكون القمة الدولية المتوقعة في يونيو المقبل في الأمم المتحدة نقطة تحول تاريخية.


أحداث أكتوبر كشفت حقيقة صامتة: الوضع القائم غير محتمل. شعب يعيش تحت الاحتلال، وآخر يعيش في خوف دائم. هذا واقع بلا مستقبل، واقع لن يحقق سلاماً أبداً. في يوليو 2024، قضت محكمة العدل الدولية في لاهاي بأن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية يتعارض مع القانون الدولي. فرنسا استوعبت معنى القرار وأدركت أن التمسك بنماذج الماضي يكرّس اليأس. حان وقت تغيير الاتجاه.


الاعتراف بدولة فلسطينية كخطوة أولى، لا نتيجة نهائية، يعني الاعتراف بالمساواة الأساسية بين الطرفين. لا يمكن إجراء مفاوضات بين طرف هو دولة قوية، وطرف آخر كيان هش يُطلب منه إثبات نفسه مراراً وتكراراً. في هذا الوضع، لا يوجد تكافؤ ولا متبادلية – فقط مماطلة سياسية.


من اللحظة التي يتم فيها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ستتمكن قيادتها من الجلوس إلى طاولة المفاوضات كطرف سيادي ومتساوٍ. ليس كمَن يطلب معروفاً، بل كطرف يطالب بحقوق شعبه. هذه ليست فقط موقفاً أخلاقياً، بل أيضاً إستراتيجية تزيد من فرص النجاح.


فرنسا تقف عند مفترق طرق تاريخي. بإمكانها أن تصبح أول دولة غربية تقود اعترافاً مبدئياً بالدولة الفلسطينية. الرئيس ماكرون ألمح بالفعل إلى ذلك. حان الوقت لتحويل النوايا إلى سياسة. الادعاء بأن هذه خطوة أحادية تُخرب على إرث أوسلو هو عكس الحقيقة. فقد تم توقيع اتفاقيات أوسلو قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وكان من المفترض أن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية خلال خمس سنوات. عملياً، فُرغت الاتفاقيات من محتواها، وأصبحت السلطة مقاولاً فرعياً للاحتلال، وزادت إسرائيل من خطوات الضم. لذا نحن أمام عرض زائف، لا عملية سياسية.


مستقبل بديل للعنف واليأس


الادعاء بأن الاعتراف بدولة فلسطينية هو "مكافأة للإرهاب" يزيف الواقع، كما لو أن استمرار الاحتلال والاستيطان يضمن الاستقرار. العكس هو الصحيح: الاعتراف بالدولة قد يعزز الأصوات المعتدلة في الجانب الفلسطيني، يمنحها شرعية، ويتيح تقديم بديل للعنف واليأس. يجب الاعتراف بأن اتفاقيات أوسلو تحولت إلى فخ. الفلسطينيون تخلّوا عن الكفاح ولم يحصلوا على دولة. في المقابل، سمحت الاتفاقيات لليمين الإسرائيلي بالترويج لرؤية دولة واحدة، مع فصل عنصري فعلي بين المواطنين اليهود والرعايا الفلسطينيين.


المبادرة الفرنسية-السعودية تتيح فرصة حاسمة لكسر دائرة الدم واليأس. الحلول معروفة: حدود 67، حلول للاجئين، أمن متبادل، والقدس كعاصمة مشتركة ومفتوحة. في ظل هذه الشروط، سيجري التفاوض بين دولتين. بلا تعالٍ ولا فرض. وعندما تُحلّ مسألة السيادة منذ البداية، يمكن للطرفين التركيز على الجوهر: الأمن، الاقتصاد، التنقل الحر، والإدارة المشتركة للموارد.


مع اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية، ستُرسل رسالة واضحة: هناك شعب فلسطيني، له حق في تقرير مصيره، وله مكان متساوٍ بين شعوب العالم. وهكذا أيضاً ستُرفع الوصمة الأخلاقية عن إسرائيل – الدولة الديمقراطية الوحيدة في الغرب التي لا تزال تفرض احتلالاً نشطاً وتحرم شعباً بأكمله من حقوقه.


في يونيو المقبل، في قاعات الأمم المتحدة في نيويورك، سيُطلب من العالم أن يختار: التمسك بوهم عملية سياسية خيالية – أو إتاحة بداية حقيقية. إذا كانت لا تزال هناك إمكانية لحل الدولتين، فإنها تبدأ بالمبادرة الفرنسية، وبالاعتراف البسيط: الدولة الفلسطينية ليست عائقاً أمام السلام، بل الشرط الأساسي الوحيد لقيامه.



 
 
bottom of page