top of page

الخوف من مخاوف الطرفين

بقلم: رافي دافيدزون


منذ السابع من أكتوبر 2023، تصدّر الخوف الوجودي قائمة المشاعر المسيطرة في حياتنا بالمنطقة، ولم يتراجع منذ ذلك الحين. من جهة، يُظهر اليهود الإسرائيليون خوفًا من العرب ويتحدثون بمصطلحات "تهديد وجودي لحياتهم"، ومن الجهة الأخرى، لا يقل العرب خوفًا وذعرًا وجوديًا.


أما أنا، فهذه المخاوف نفسها تُخيفني أكثر من أي شيء آخر. خوفي من هذه المخاوف المتبادلة يتسلل إلى نفسي ويولّد شعورًا عميقًا بالإحباط.


سمعت من كثير من اليهود في إسرائيل، ومن بينهم أصدقاء مقربون لي، أنهم منذ مجزرة "غلاف غزة" التي ارتكبها حماس، لم يعودوا يشعرون بأي شفقة تجاه أي إنسان في غزة – سواء كان طفلًا، رضيعًا، أو شيخًا.


في الواقع، إسرائيل تقتل في غزة دون تمييز بين الأبرياء ومقاتلي حماس. اختفت الرحمة من قلوب الغالبية الساحقة من اليهود في إسرائيل، وحلّ مكانها الخوف، والكراهية، وتجريد الآخر من إنسانيته. أُغلقت القلوب، وتبلدت المشاعر الإنسانية.


منذ بداية الحرب ضد إيران، يرى أغلب اليهود في إسرائيل أن هذه حرب لا مفرّ منها لإنقاذ الدولة اليهودية من الإبادة بسلاح غير تقليدي. الخوف الوجودي يدفع، بشكل كاسح، إلى دعم الحرب رغم أثمانها البشرية الباهظة.


في المقابل، استولى الخوف الوجودي أيضًا على أعماق نفوس أصدقائي العرب. العرب في إسرائيل ينظرون بعيون دامعة إلى القسوة، انعدام الرحمة، والدمار والموت الذي يلحق بعشرات الآلاف من أبناء شعبهم، ويشعرون بالضياع.


التفوق والعنصرية اليهودية لا تعرف حدودًا حمراء، وتفتقر لأي تعاطف أو إنسانية، وهي تقود إلى إبادة منهجية للشعب الفلسطيني.


في غزة، ترتكب إسرائيل جرائم حرب مروعة. وإلى جانب ذلك، يرى العرب في إسرائيل أن العالم يلتزم الصمت، وبعضه يشارك بالسلاح والدعم السياسي في عمليات الإبادة الجماعية لأبناء شعبهم.


التفوق العسكري الواضح لإسرائيل في ساحة المعركة، إلى جانب قدرتها على تدمير غزة كليًا، وإلحاق أضرار جسيمة بإيران، يزيد من مخاوف العرب من أن تواصل إسرائيل إيذاء كل فلسطيني يعيش بين البحر والنهر.


التفوق الإسرائيلي في الحرب يجعل إسرائيل تبدو كالقوة الأقوى في المنطقة، القادرة على فعل ما تشاء. من وجهة نظر العرب، فإن خوفهم الوجودي هذه الأيام حقيقي جدًا.


اليهود والعرب في إسرائيل مقتنعون أن العدالة في صفهم، وأن مخاوف الطرف الآخر غير مبررة. الروايتان تبتعدان أكثر فأكثر، وتسيران في خطين متوازيين بلا أمل للقاء.


في هذا الواقع، أخشى من استمرار تصعيد دوامة المخاوف المتبادلة.


bottom of page