top of page

الردع النووي كسيف ذي حدين: من يضمن لنا ألّا تقع الحكومات في أيدي متطرفين دينيين؟

بقلم: أبراهام بورغ


فكرة شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل قد تبدو طوباوية، ولكن هل هي أكثر سذاجة من الإيمان بأن الردع سيعمل دائمًا؟ هل يمكن لقوة تهدف لحماية من يمتلكها أن تتحول إلى تهديد لشرعيته نفسها؟ أليس من الأفضل أن نتحلى بالشفافية ونتجه نحو نزع السلاح، كما فعلت ألمانيا واليابان في حينه؟


يُنسب إلى شمعون بيرس (أو كما كان يُشار إليه بلقب "جهات مخولة في القدس") تصريحه في أواخر الستينيات بأن "إسرائيل ليست دولة نووية، وموقف حكومة إسرائيل اليوم كما في الماضي هو أن إسرائيل لن تكون أول من يُدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط". وأنا، الذي لم أشك يومًا في صدق بيرس أو أي زعيم إسرائيلي آخر، مقتنع إذاً بأن إسرائيل لا تملك أي قدرة نووية. فحتى الآن، لا توجد مثل هذه القدرة لأي دولة في المنطقة.


فما المشكلة إذًا؟


هناك نقاشات مستمرة منذ عقود، وأخرى لم تبدأ أصلاً. النقاش حول فوائد وأخلاقيات السلاح النووي قائم منذ هيروشيما، ولم يتوقف قط. لكنه مع الوقت تحول إلى طقس مرهق. كلنا نحفظ عن ظهر قلب لاهوت توازن الرعب، ولغة الردع المتبادل، والحجج المتكررة: إنه يمنع الحروب الشاملة، يضمن الاستقرار، ويعزز الاستقلال الاستراتيجي. لكن في العمق، يبدو أن السؤال الجوهري لم يُجب عليه حقًا: ما فائدة كل هذا؟ إلى أين يقودنا؟ و"يقودنا" هنا تعني البشرية جمعاء المسلّحة بأسلحة دمار شامل.


إيران وسيكولوجية القوة


يميل النقاش العام في إسرائيل إلى تحليل البرنامج النووي الإيراني من خلال عدسات لاهوتية وتقنية مفهومة للإسرائيلي: وكأن لا وجود لعقلانية في طهران، وكل نظام "الآيات" مجرد خليط بدائي من المهووسين دينياً والجهاديين. وأحيانًا، عندما يتحدث مؤيدو الحكومة الإسرائيلية عن نظام الملالي، لا تكون متأكدًا إن كانوا يتحدثون عنهم أم عنّا. هذا عدا عن أن كل شخص هنا يعتبر نفسه خبيرًا في القنابل النووية وعدد أجهزة الطرد المركزي ونِسب التخصيب وتقارير الاستخبارات. لكن النووي الإيراني ليس مسألة هندسية أو دينية، ولا هو كاريكاتير أجوف لنتنياهو في الأمم المتحدة.


تسعى إيران لامتلاك القنبلة ليس فقط لأنها تصدق "المنشورات الأجنبية" وتعتقد أن إسرائيل ربما تملك واحدة. وليس فقط لأن العديد من جيرانها القريبين والبعيدين لديهم قدرات نووية مثبتة. ولا حتى بسبب صراعها مع "الشيطان الأكبر" الولايات المتحدة. إيران الحقيقية محاطة بأعداء – حقيقيين ومتخيلين. وقد شاهدت ما تجرأت عليه أمريكا ضد جارتها العراق في بداية الألفينات، حين لم يكن لديها سلاح نووي. واستخلصت النتائج مما لم تجرؤ عليه واشنطن ضد كوريا الشمالية بسبب امتلاكها سلاحًا نوويًا. إنها حقيقة صعبة: لدى إيران دوافع أمنية حقيقية.


بالإضافة إلى ذلك، فإن السلاح النووي هو مفتاح الدخول إلى نادي القوى العظمى. بدونه، تُنظر إلى إيران كدولة غير متقدمة تملك نفطًا وخطابًا دينيًا. ومع السلاح المتطور، قد تتحول إلى محور فخر شيعي ومستقبل إسلامي بأكمله.


السلاح النووي هو رمز مكانة يجلب معه اعترافًا دوليًا. وفي منطقتنا، حيث الهرمية والكرامة هما من عملات الوجود الأساسية، فإن هذا الرمز قد يكون أثمن من القوة نفسها.


التناقض الإسرائيلي


في إسرائيل، يسود تناقض غريب: حسب كل التصريحات – لا نمتلك سلاحًا نوويًا. ولا يُسمح الحديث عن ذلك. "سوريك" و"ديمونا" هما "اللورد فولدمورت" الذي لا يُسمى. وسائل الإعلام تشير فقط إلى "مصادر أجنبية"، والغموض اللفظي هو استراتيجية وطنية. وأنا، كمؤمن من بين المؤمنين، آمل أن يكون هذا هو الواقع فعلًا.


لكن في هذا السياق، تبرز بعض الأسئلة:


* هل هذا السلاح هو أصل استراتيجي – أم أنه أصبح عبئًا؟

* وإذا امتلكت إيران القنبلة، فهل علينا نحن أيضًا تطوير واحدة؟

* هل تحمي أسلحة الدمار الشامل من يمتلكها، أم أنها تدعو إلى تهديدات مستقبلية بأحجام لم نعرفها وربما لن نستطيع مواجهتها؟

* وإذا لم يكن هذا كافيًا، فهل الشائعات – الباطلة طبعًا – حول قدرة نووية إسرائيلية، لا تكرّس صورة إسرائيل ككيان خطير ومعزول؟

من المحتمل جدًا أن الشائعات حول السلاح الذي لا نملكه ولم نملكه قط، أصبحت ترخيصًا لنزع الشرعية عن وجودنا. لأنه عندما يُنظر إليك على أنك قادر على تدمير مدن ودول، يصبح من السهل تصويرك كتهديد وجودي يجب التخلص منه. هذا هو تناقض الردع منذ الأزل: القوة التي من المفترض أن تحمينا – تصبح أداة تهدد بشرعيتنا ذاتها.


فلنبدأ بالشفافية، نفتح مراكز الأبحاث القائمة مع إعلان الاستعداد للانضمام إلى منظومة الرقابة الدولية، ثم تأتي الاتفاقات والترتيبات التي تُنقل بموجبها السيطرة والرقابة إلى حليف موثوق. الولايات المتحدة مثلًا.


الخوف ليس خطة عمل


فكرة شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل قد تبدو طوباوية. لكن هل هي فعلًا أكثر سذاجة من الإيمان بقدرتنا على إدارة هذه اللعبة إلى الأبد؟ بأن الردع سيعمل دومًا؟ بأن الأخطاء لن تحدث، أو أن التكنولوجيا لن تقع في الأيدي الخطأ؟ وإذا امتلكت إيران القنبلة، وطورت دول أخرى قنابلها، من يضمن لنا أن لا تقع الحكومات في أيدي متطرفين دينيين؟ وأن لا تدفع معتقدات يوم القيامة ومجيء المخلص أحدهم إلى الجنون؟


bottom of page