المستقبل قد بدأ بالفعل: دعوة إلى سياسة مدنية جديدة في إسرائيل
- تميم أبو خيط

- قبل 6 أيام
- 3 دقيقة قراءة

بقلم: أبراهام بورغ
يتغيّر الشرق الأوسط أمام أعيننا. من واقع دموي وعنيف، تتبلور تدريجيًا اتجاهات عكسية: شعوب ودول تسعى للانتقال من عصر العداء إلى عصر التعاون المدني والاقتصادي. اتفاقات التطبيع، المبادرات الإقليمية للطاقة والمياه، التعاونات العلمية والاستثمارات العابرة للحدود — كلها دلائل على نشوء فهم جديد. المنطق القديم القائم على الحروب والحدود المغلقة والشك المتواصل يفسح أخيرًا المجال لتفكير آخر، يرى في الإنسان والحياة ذاتها أساسًا لنظام إقليمي أكثر استقرارًا.
الخطاب يفسح المجال للممارسة. سيظل هناك الحوثيون وحماس والمستوطنون، لكنهم أقلية تسبح ضد التيار بيأس.
في هذه اللحظة بالذات، بينما المنطقة كلها تتقدّم إلى الأمام، تبقى السياسة الإسرائيلية عمومًا، والعربية خصوصًا، في الخلف. ليست لديّ توقعات كبيرة من السياسة الصهيونية، التي لا تمثّل سوى خمسين ظلًا لليمين غير الديمقراطي — من يائير غولان بخطابه الأمني المفرط إلى غانتس الذي يرى نفسه نوعًا من رابين طويل القامة.
أما في المقابل، فحواري مع السياسة العربية في إسرائيل كان مختلفًا — كثير من الخلافات، لكن قواسم مشتركة أكثر في قضايا السلام والمساواة المدنية والعدالة الاقتصادية. لذلك، نصف حياتي صوتت لحزب العمل، والنصف الآخر للأحزاب العربية — لا عن تطابق تام مع ما تمثله، بل عن إيمان بأنني كيهودي يرى تاريخ شعبه، ملتزم بدعم الأقلية المضطهدة والمهمّشة. وأيضًا لأنني مؤمن تمامًا بأن الشراكة العربية-اليهودية هي الطريق الوحيدة لإصلاح الديمقراطية الإسرائيلية لصالح جميع مواطنيها، من كلا المكوّنين القوميين.
لسنوات تمنيت أن يجلب أصدقائي ممثلو الجمهور العرب، إلى جانب الشجعان من المجتمع اليهودي، روحًا جديدة من المسؤولية المدنية والقيادة الأخلاقية. لكن بدلًا من التقدّم، بقي كثيرون أسرى لخطاب الماضي، الذي يفقد قوته ومعناه. السعودية تتغير، الإمارات تغيّرت، مصر تتغيّر — ومن لم يتحرك قيد أنملة؟ صحيح، مركّبات القائمة المشتركة المتنازعة، وهي كل شيء إلا الشراكة.

هم عالقون في أنماط قديمة من الانغلاق والتصفية الداخلية، منشغلون بأنفسهم، يتجادلون حول القوائم والمناصب والمواقع، ويصعب عليهم طرح رؤية جديدة أو لغة أمل. بدلًا من الانضمام إلى حركة التغيير الإقليمية، يتخبّطون في مياه الماضي العكرة. بدلًا من أن يكونوا قوة مؤثرة في الساحتين الإسرائيلية والإقليمية، يندبون حالهم دون أن يسعوا فعلاً لصوغ مستقبلهم.
في الحياة اليومية، الواقع مختلف بالفعل. التحريض والعنصرية النظامية من الأعلى تواجه شراكة مدنية تتشكّل من الأسفل. في المستشفيات، طبيبات عربيات يعالجن جنودًا يهودًا، ممرضات يهوديات ينقذن أطفالًا عربًا، وفي الجامعات باحثون وطلاب من كل الفئات يعملون معًا. وفي المنصات الثقافية والمطابخ، تُنسج شراكة حياة يومية. هكذا تتكوّن مواطَنة إسرائيلية متساوية، منفتحة وشاملة — لا بفضل السياسة، بل رغمها. الحياة تسبق السياسة، اليهودية والعربية معًا.
في هذا الوضع لم يعد بالإمكان الهروب من التحدي. لقد حان الوقت للإعلان بصراحة: نحن بحاجة إلى سياسة جديدة. ليست سياسة تُبنى على هويات وإهانات، بل على مواطَنة قوية. ليست جماهيرية الانقسام، بل المساواة؛ ليست سياسة الخوف، بل الأمل والمسؤولية.
هذه ليست دعوة لمفاوضات مصالح أو اتحاد تقني بين أحزاب قائمة، بل دعوة لتأسيس حركة مدنية واسعة وجريئة. حركة تقترح "نظام تشغيل" جديدًا للمجتمع الإسرائيلي كله، قائمًا على المساواة المدنية الكاملة بين اليهود والعرب. حركة تمثل من يعيشون هنا معًا، يعملون ويبدعون معًا، ويؤمنون بأن هناك طريقًا آخر — لأن المساواة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون إنهاء الاحتلال.
ستكون هذه حركة ملتزمة بالسلام، تناضل لإنهاء الاحتلال واستبداله بنظام سياسي يستند إلى مبدأ بسيط وواضح: لكل إنسان بين النهر والبحر الحقوق والحريات نفسها — لا أكثر ولا أقل.
يجب على هذه الحركة أيضًا أن تتصل بالديناميكيات الإقليمية الجديدة، وأن تكون شريكة في مبادرات السلام والمصالحة التي تنمو حولنا، وأن تربط المجتمعين اليهودي والعربي في إسرائيل بالعمليات الإقليمية الأوسع للتعاون المدني والاقتصادي. عليها أن تكون الجسر الإنساني والسياسي بين إسرائيل وجيرانها، وأن تقدّم صوتًا واقعيًا يرى الشرق الأوسط لا فقط بعين الصراع والحرمان، بل أيضًا بعين الإمكان.
لذلك يجب أن نقول بوضوح وشجاعة: حان الوقت لخوض الانتخابات للكنيست باسم هذه الأفكار. خوضها حتى النهاية من أجل ديمقراطية حقيقية، مساواة كاملة، ومسؤولية متبادلة. ستكون مواجهة ضد الجمود المحافظ للأحزاب العربية وضد التعب الفكري لليسار الإسرائيلي الباهت. كلاهما متمسك بلغة قديمة ويخاف من التجديد.
المجتمع الإسرائيلي يحتاج بشدة إلى لغة جديدة — لغة الشراكة لا الخصومة، الأمل لا اليأس، الحياة المشتركة لا جدران الخوف. إذا واصلت القيادة العربية الانشغال بنفسها، واستمرت القيادة اليهودية في الخوف من المساواة، فعلى المجتمع المدني أن ينهض ليحل محلهم — الطبيبة والمعلمة، الطالب والمبدع، الإنسان الذي يعمل مع جاره بلا جدران ولا خوف. هؤلاء هم ممثلو مستقبل إسرائيل. هم الذين سيكتبون لغتها الجديدة: لغة المواطَنة المتساوية، الحياة المشتركة، والثقة المتبادلة.
المستقبل قد بدأ بالفعل، وهو ينتظر فقط من يجرؤ على مناداته باسمه — حتى وإن كان ذلك في مواجهة أصدقائه الرافضين للمستقبل.

.png)


