حتى بعد الصفقة – ما زلنا في نفس اليوم الطويل الذي لا ينتهي
- תמים אבו חיט

- 11 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة
بقلم: أبراهام بورغ
بعد مرور عامين على السابع من أكتوبر 2023، لا تزال إسرائيل تعيش في نفس الليل الطويل من الألم، والارتباك، والإنكار.بين المتدينين المسيانيين المتحمسين واليائسين الذين استسلموا تمامًا، تدور في البلاد حالة من الارتباك الوطني، وانهيار القيم، وجمود القيادة – ولكن أيضًا إمكانية نادرة للاستفاقة الشجاعة وبناء مستقبل مشترك قائم على الاعتراف والمسؤولية.
لقد أشرقت ومضة ضوء من واشنطن حتى غزة، فبدّدت لعدة ساعات شيئًا من الخنق والظلام، في القدس كما في غزة.لكن حتى هذا الضوء سرعان ما خبا، وعدنا إلى الأسئلة الكبرى.لا معنى حقيقي لإحياء ذكرى مرور عامين على أحداث أكتوبر 2023، لأن ذلك اليوم لم ينتهِ بعد.إنه يوم طويل واحد، رهيب، لا تشرق فيه الشمس.منذ ذلك الحين وحتى اليوم، نستيقظ صباحًا في نفس الليل، وننهي يومنا بإحساس أن العتمة أصبحت أكثر كثافة.
لكن هذا الظلام ليس واحدًا؛ فكل قطاع، وكل مجموعة في إسرائيل تعيش في ظلام مختلف.والكلمات التالية تتحدث عن المجتمع اليهودي الإسرائيلي، مع العلم الأليم بأن حال الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل تحتاج إلى تأمل ونقاش منفصلين.
ثلاث مجموعات في إسرائيل اليهودية
إسرائيل اليهودية اليوم منقسمة إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
الأولى – التيار الديني المسياني المتطرف:هؤلاء يعيشون في حالة من النشوة الميتافيزيقية المستمرة، ويؤمنون أننا في "عصر المعجزات".في نظرهم، كل الكوارث والآلام والضحايا ليست سوى درجات مقدسة وضرورية في الطريق نحو الخلاص العظيم.يربطون الواقع بصور توراتية، ويرون في الحرب وتكاليفها علامات على اقتراب التاريخ من ذروته الإلهية.في هذا الحصن الإيماني لا مكان للشك، ولا وزن للثمن الإنساني. كل شيء مسخّر من أجل "المخلّص" الذي ينتظرونه خلف الزاوية.
الثانية – المجموعة القدرية اليائسة:هذه مجموعة رفعت الراية البيضاء. ترى في سلسلة الكوارث دليلاً على أن الإصلاح لم يعد ممكنًا، وأنه لا يمكن بناء الخير من هذا الكمّ من الشر.بينما يعاني اليمين المسياني من فائض يقين، هنا لا يوجد سوى انعدام الأمل.هؤلاء يعيشون شعورًا بأن مصيرهم قد كُتب، ولا يمكن تغييره:إسرائيلهم محكوم عليها بالسجن الأبدي داخل دائرة من الحروب والعنف والفساد والكراهية الدينية.من وجهة نظرهم، أي محاولة للإصلاح مصيرها الفشل، وأي رؤية للمستقبل مجرد سراب.
الثالثة – فضاء الارتباك الإسرائيلي الواسع:وهو الذي يضم أغلب الإسرائيليين.أناس يعيشون في الظلام ويشعرون به، لكنهم عاجزون عن منحه معنى.لا يؤمنون بوعود الخلاص، ولا يريدون الاستسلام لليأس الكامل.يتأرجحون بين الرغبة في الفعل والخوف الشللي، بين السعي إلى رؤية جديدة وفقدان الثقة بالقيادة والمؤسسات.هو فضاء مليء بالتناقضات:من جهة جيوب تضامن إنساني مؤثرة، ومن جهة أخرى لامبالاة وإرهاق نفسي.من هنا الدعوات للحلول، ومن هناك الشلل الفكري والضياع.
ثلاث طبقات تزيد العتمة كثافة
1. فخّ الزعيم التراجيدي:اختُطفت إسرائيل على يد قائد سيُذكر في التاريخ كأسوأ زعيم عرفه الشعب اليهودي.ليس فقط لأنه دمّر الدولة بيديه، بل لأنه دمّر جيلًا سياسيًا بأكمله، حتى لم يعد أحد من السياسيين قادرًا على تخيّل مستقبل بدونه.تحوّل إلى مشهد طبيعي، ثابت، كما لو كان جزءًا من الجغرافيا – موجود دائمًا وسيبقى كذلك.هذا الفخّ يشلّ الخيال الجماعي ويمنع أي إمكانية لتصوّر بديل.
2. انهيار منظومة القيم:أكبر أزمة في إسرائيل اليوم ليست أمنية أو اقتصادية، بل وجودية ومفاهيمية.في ذلك اليوم الرهيب، لم يفشل الجيش فقط، بل انهارت أيضًا المنظومة الفكرية التي قامت عليها الدولة حتى أكتوبر 2023.مفاهيم الأمن، والمسؤولية، والديمقراطية، والتضامن المدني – فقدت معناها في لحظة الحقيقة.منذ ذلك الحين يعيش الإسرائيليون في فراغ قيمي، خائفين من أنه لم يعد هناك ما يتمسكون به.
3. الإنكار المستمر:لطالما امتلكت إسرائيل قدرة مذهلة على إنكار وجود الشعب الفلسطيني – آماله، معاناته، ثقافته، وأحلامه.ولم يوقف أكتوبر 2023 هذا الإنكار، بل عمّقه.الإنكار اليوم لا يتعلق بالماضي فقط، بل بالحاضر أيضًا.إسرائيل ترفض الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الإسرائيليون أنفسهم في غزة.إن جذور هذا الإنكار تعود إلى القرن التاسع عشر، إلى تعريف الصهيونية نفسها بأنها "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب".منذ ذلك الحين، بُنيت استراتيجية محو الفلسطينيين من السرد التاريخي، وهي تُمارس اليوم في غزة بكل قوتها.فقط من خلال هذا الإنكار يستطيع الإسرائيليون التهرب من مسؤوليتهم الأخلاقية.إذا كانت الأرض "بلا شعب آخر"، فلا أحد تضرر، أليس كذلك؟لكن وهم الإنكار هذا لن يدوم، فالوعي يغلي تحت السطح، واليوم الذي سينفجر فيه قريب.
السؤال الإسرائيلي الكبير
وسط هذا الفضاء المرتبك، المحاصر بانهيار القيم والقيادة المضلّلة والإنكار المزدوج، يتشكل السؤال الإسرائيلي الكبير لما بعد أكتوبر 2023:هل كُتب علينا أن نظل أسرى اليوم الطويل والرهيب، في "سوبر-أسبرطة" المميتة التي صنعها نتنياهو؟أم سنجد الشجاعة لنفكّ قيودنا من المفاهيم القديمة، ونجرؤ على تبنّي بدائل جديدة، وندفع بنتنياهو إلى المكان الذي يستحقه – سلة مهملات التاريخ – ونرغم الشمس على الشروق من جديد؟
لأن "اليوم التالي" ليس مجرد سؤال إداري حول من سيحكم غزة، ولا خطة دولية ببنود تقنية.بل هو اقتراح لحوار جديد كليًا – داخلي ومشترك في آنٍ واحد.اليوم التالي للصدمة التي تلقّيناها، ولتلك التي أحدثناها.اليوم التالي لتحمّل المسؤولية، بعد الكراهية والفقدان والجنون والعطش للدماء.
هل سنعرف كيف نحول الكسر إلى نقطة تحول؟هل سيكون "اليوم التالي" عودة إلى نفس أسباب الفشل – استمرار الإنكار، وإدامة صناعة الحرب وسفك الدماء؟أم سيكون أيامًا من صحوة مشتركة، إسرائيلية وفلسطينية، من أحلام المحو والإلغاء المتبادل؟
إن المستقبل الممكن يكمن في الاعتراف الكامل –ليس بإنكار الصدمات أو دفنها، بل بتحويلها إلى أساس لبناء مستقبل مشترك.ليس رغم الألم، بل بسببه.لكي ينتهي هذا الليل الطويل أخيرًا، وتشرق الشمس من جديد على الجميع – الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يتشاركون سماءً واحدة.

.png)


