top of page

عن الصمت، الراحة وفقدان البوصلة – الرمادي المتفكك

بقلم: د. وردة سعدة هناك مجموعة كبيرة في البلاد تواصل التحدث باسم الاعتدال، والمسؤولية، ومحبة الدولة — لكنها تُصرّ على عدم النظر إلى ما يجري فيها فعليًا. مجموعة تُعلن التزامها بالديمقراطية، لكنها تجد صعوبة في قول حقيقة أساسية بصوت واضح: دولة لا تنتمي إلى جميع مواطنيها، ولا ترى جميع البشر الذين يعيشون تحت سيطرتها، ليست ديمقراطية جوهرية.

في الوقت الذي يواجه فيه المجتمع العربي في إسرائيل عنفًا مستشريًا، وتفريطًا بالأرواح، وانهيار منظومات إنفاذ القانون، وشرطة انتقائية — يُتحدّث عن “التعقيد”. وعندما تُهدم البيوت، وتُهمل البنى التحتية، وتُسلب الحقوق الأساسية باسم التخطيط والقانون والنظام — يُطلب منكم الصبر.

وعندما تُدمَّر غزة، وعندما يدفع مدنيون بلا حماية حياتهم ثمنًا، وعندما تشهد القطاع انهيارًا إنسانيًا لا مبرر أخلاقي له — يُلوذ بالصمت باسم الأمن.وعندما تتسع في الضفة الغربية دوائر العنف، ومصادرة الأراضي، ونظام قانونين، والتفكك الكامل لمفهوم المساواة — يُفضَّل عدم المعرفة.

ألا نرى، لأن الرؤية تفرض موقفًا.ألا نعرف، لأن المعرفة تفرض فعلًا.ألا نشعر، لأن الشعور يذكّر بوجود مسؤولية.

لكن دولة لجميع مواطنيها لا يمكن أن تقوم على الكبت.لا مساواة من دون الاعتراف بالظلم.لا أمن من دون حقوق.ولا أخلاق تُمارَس لصالح مجموعة واحدة فقط.

على وجه الخصوص، أولئك الذين يشغلون مواقع التأثير — في الإعلام، والأكاديميا، والاقتصاد، والمؤسسة الأمنية — يختارون الحذر. لديهم منابر، وإمكانية الوصول إلى اللجان، وتأثير على الخطاب والسياسات. لكنهم يستخدمون هذه القوة أساسًا لتجنّب الهزّ: للتأطير، والتلطيف، والتفسير، والتطبيع.

وهكذا يتحوّل الصمت إلى شراكة.لا بالصراخ — بل بممارسة يومية:بتأطير إعلامي يطمس الأذى الواقع على المدنيين،وبلغة أكاديمية تفصل السياسات عن تبعاتها الإنسانية،وباقتصاد يواصل العمل كأن لا حرب، وكأن لا احتلال، وكأن لا مواطنين غير مرئيين.

إن رؤية دولة لجميع مواطنيها تفرض قول الحقيقة غير المريحة:لا ديمقراطية مع تراتبية مدنية،ولا مساواة عندما يكون قانون لليهود وآخر للفلسطينيين،ولا مستقبل مشترك من دون مسؤولية عن حياة البشر — داخل الخط الأخضر وخارجه.

لكن هذه الحقيقة تُهدّد من بنوا لأنفسهم وجودًا سياسيًا مريحًا:نصف نقد، نصف مسؤولية، نصف ضمير.حاضرون في كل مراكز القوة — لكنهم يتجنبون المواجهة الحقيقية.مؤثّرون — لكنهم لا يعارضون.يتحدثون عن الرشد — حتى عندما يُستخدم ذريعةً للظلم.

وفي واقع يُترك فيه المواطنون العرب في إسرائيل بلا حماية،وتنزف فيه غزة،وتُستنزف فيه الضفة يومًا بعد يوم —لا حياد. هناك اختيار.

من يختار الراحة بدل المساواة،والصمت بدل المسؤولية،والإنكار بدل الأخلاق —ليس “الصوت العاقل”.بل هو الحاجز الذي يحمي الظلم من التغيير.قالوا إنهم “بخير”.لكنهم ليسوا كذلك.واختفاؤهم من الساحة جارٍ بالفعل — لا كضجيج، بل كاندماج كامل في أخلاق رمادية.

دولة لجميع مواطنيها ليست شعارًا فارغًا.إنها التزام بالمساواة في الحقوق، وبالأمن الإنساني، وبالكرامة لكل إنسان — من دون شروط مسبقة، ومن دون هويات مفضّلة.

والسؤال ليس: من هو المتطرّف؟السؤال هو: من بين القادرين على التأثير،مَن هو المستعد أخيرًا لأن يقول:هكذا لا تبدو الديمقراطية — ونحن غير مستعدين لأن نكون شركاء في ذلك بعد الآن.لقد حان الوقت لترسيخ قيم دولة جميع مواطنيها.



ree

bottom of page