top of page

عنصرية أم ديمقراطية حقيقية؟

بقلم: د. وردة سعدة


حول المواطنة، والهوية، والخط الذي تُختَبَر عنده الديمقراطية الإسرائيلية


يميل الخطاب العام في إسرائيل إلى تصوير إقصاء ممثلي الجمهور العرب بوصفه موقفًا أمنيًا أو قيميًا أو أيديولوجيًا. لكن في الواقع، نحن أمام سؤال أعمق بكثير: هل تقوم الديمقراطية في إسرائيل على مواطنة متساوية — أم على هوية إثنية مُفَضَّلة؟

إن مطالبة بعض ممثلي الجمهور بأن يكون “الصهيوني” فقط شريكًا في الحكومة تضع شرطًا هوياتيًا للشراكة السياسية. مثل هذا الشرط لا وجود له في الديمقراطيات المدنية الحقيقية. ففي الديمقراطية، تكون المواطنة — لا العقيدة، ولا الدين، ولا الهوية القومية — هي الأساس لحق الانتخاب والترشّح، والتأثير، والمشاركة في الحكم.

وهنا يبرز سؤال بسيط لكنه مُزلزل: هل يمكن ليهودي غير مواطن للدولة، يعيش في الخارج، أن يكون شريكًا في الحكم في إسرائيل لمجرد يهوديته — بينما يُعدّ مواطن فلسطيني إسرائيلي، ابن المكان، دافع الضرائب، الملتزم بالقانون، والذي يرسل أبناءه إلى جهاز التعليم، “غير شرعي” للشراكة السياسية؟

وإذا خطونا خطوة أبعد: هل يفقد يهودي يتنازل عن يهوديته، أو عن إيمانه، أو عن هويته الدينية، حقه في أن يكون جزءًا من الحكومة؟ إذا كانت الإجابة لا — فالمعيار ليس اليهودية، بل الإثنية.وإذا كانت الإجابة نعم — فنحن أمام دولة عقيدة، لا دولة ديمقراطية.


بصفتي رئيسة مشاركة في حزب “كل مواطنيها”، وكفلسطينية مواطِنة في دولة إسرائيل، أقول بوضوح: المساواة التي لا تتيح تمثيلًا سياسيًا كاملًا هي مساواة وهمية.

وديمقراطية لا تتيح شراكة أقلية مدنية واسعة في الحكم — ليست ديمقراطية كاملة.


إن مطالبة ممثلي الجمهور العرب بـ“الاعتراف” بالدولة مقابل محو هويتهم القومية والتاريخية ليست مطلبًا مدنيًا، بل مطلب خضوع. فهي لا تطلب الولاء للقانون، بل الولاء لرواية واحدة فقط. وهذه هي النقطة تحديدًا التي تتحول فيها الديمقراطية إلى آلية إقصاء.

ويتعاظم التناقض حين تُعدّ أحزاب غير صهيونية، بل وغير ملتزمة بالمساواة المدنية الكاملة، شركاءَ شرعيين ما دامت يهودية. وهنا ينكشف الجوهر: المشكلة ليست أيديولوجية — بل إثنية. ليس ما تفكّر به، بل من تكون.

حزب “كل مواطنيها” يطرح مسارًا آخر: دولة مدنية متساوية، تعترف بتعدّد الهويات في داخلها، ولا تشترط الحقوق السياسية بالتنازل عن الهوية. دولة تدرك أن الاستقرار والأمن والسلام لا ينتجون عن الإقصاء — بل عن شراكة حقيقية.


السؤال ليس إن كان هناك مكان لمواطنين عرب في الحكومة.

السؤال الحقيقي هو: هل تختار إسرائيل أن تكون ديمقراطية لجميع مواطنيها — أم دولة تُعرّف الديمقراطية لجزء منهم فقط؟


ree

bottom of page